إعاقات متنوعة


منذ أكثر من ستة سنوات تعرضت لحادث قطار نتج عنه جلوسي على كرسي متحرك مدى الحياة .
و يومها لم اشعر بأسى أو حزن و لو لحظة واحدة لما حدث لي ، و رغم أن كل آلامي و طموحاتي تبدلت على الفور إلا أن ثقتي بوجود الله معي في كل لحظة ، فهو لم يُعطيني الفرصة للبكاء على الأطلال . و دائماً كان السلام و الأمل يملأ قلبي الصغير و استطعت أن احلم من جديد و رغم انه حتى الآن معظم أحلامي لا استطيع أن أحققها - ذلك ليس لضعفي - إلا إنني مازلت قادرة على أن احلم .
أحداث غريبة أمر بها كل يوم و مفاجآت و الغريب فيما يمر بي من أحداث أنني اقبل ما أنا عليه برضا تام و أكيف نفسي حسب قدراتـــي و إمكانياتي و هذه بالتأكيد نعمة خاصة من الله و لكن للأسف بعضاً ممن حولي لا يستطيعــون ذلك و كأنه من المفروض أن اغضب و أتمرد و أعلن اعتراضي على ما يحدث لي .
منذ الحادثة التي تعرضت لها و أنا في التاسعة عشر من عمري و أنا لا اكف عن التفكير في مَن هم في مثل ظروفي . و ما يدهشنـــي أننا نحن ذوي الاحتياجات الخاصة محذوفين من قائمة القادرين على فعل أي شيء . حتى إذا استطعنا أن نفعل كل شيء . كل ما يتردد عن حقوق الإنسان ليست سوى شعارات نملأ بها الجزء الفارغ في صُحفنا و مجلاتنا كما نملأ بها الجزء المتبقي من وقتنا للكلام عنها . و من يقول غير ذلك يخدع نفسه قبل أن يخدعنا . فأنا واحدة ممن أجلستهم الدنيا على مقعد مدى الحياة . أقول لكم أن الكرسي الذي اجلس عليه يتحرك باستمرار و عقول من حولي ساكنة لا تتقدم خطوة واحدة ، فبالرغم من أننا في القرن الواحد و العشرين إلا أن هنـــــــــاك مَن مازالوا لا يعرفون الكثير و أولها كيف يقبلون الآخر و خاصة من به إعاقة خارجية ظاهرة ، و لا يدرون إنهم بذلك يملكون بداخلهم إعاقة خفية . و للأسف هذه أعاقة اخطر بكثير من الإعاقة الخارجية لأن مَن به إعاقة ظاهرة ليس مضطراً أن يخفيها طوال الوقت خوفاً أن تنكشف كما يفعل مَن به إعاقة خفية في داخله .
حتى الآن و رغم كل الإعلان العام و الخاص بشأن ذوي الاحتياجات الخاصة و احترامهم و دمجهم مع الآخرين و معاملتهم معاملة الأسوياء . إلا أن أغلبية البشر يطلقون علينا أسم مُعاقين . حتى النخبة المثقفة منهم ، لن أقول الجميع فهناك بعضا و هم قلة قليلة يتمتعون ببصيرة تجعلهم يعرفون و يدركون معنى كلمة معاق .
فمعنى " ذوى الاحتياجات الخاصة " المقصود منها أن هؤلاء الأشخاص يحتاجون لاحتياجات تزيد قليلاً عن احتياج الآخرين و لن أقول أسوياء لأن ذوى الاحتياجات الخاصة أيضاً أسوياء فيما عدا الذين تكون احتياجاتهم ذهنية ، فهؤلاء يقل ذكائهم بحيث لا يستطيعون الإدراك .
أما المقصود بكلمة مُعاق هو الشخص الغير قادر على الحب ، الغير قادر على العطاء أو التضحية ، المعاق هو من يعشق الحرب و يكره السلام ، هو مَن لا يرى غير نفسه و هذه الاحتياجات لا يستطيع احد غيره مساعدته في انجازها دون أن يرغب هو .
فذوى الاحتياجات الخاصة احتياجاتهم معروفة و محددة يستطيع أي شخص مساعدتهم بها و لكن المعاق كيف نساعده أن يحب و هو لا يرغب في يحب ، كيف نساعده أن يُعطي و هو لا يرغب في العطاء . فمفهوم المعاق مجهول بأغلب العقول .
تدور بذهني عاصفة تساؤلات كثيرة جدا ، أحاول أن أجد لها رد و لكن دائماً الجواب مفقود و من هذه الأسئلة : كيف أكون معاق و أنا أفكر ؟ كيف أكون معاق و أنا أحب ؟ و أنا أتحرك و أتابع و أصغى ؟ كيف أكون معاق و أنا ابتكر و أبدع ؟ كيف أكون معاق و أنا استطيع محاورتك ؟ و أنا استطيع أن اعمل ما تعمله و أتفوق عليك ؟
كثيراً ما قدمت أعمال مع مجموعة أصدقاء لي و لكن رؤية الناس لي تثيرهم أكثر مما يثيرهم ما اعمله و أقدمه . فالكل ينتبه إنني افعل و لكن لا ينتبهون لما افعله و لا يدركون قيمته .
مازال هناك مسافة كبيرة بين ما نراه بعيوننا و ما نراه بعقولنا أو قلوبنا .
أحلامي كبيرة و مداها طويل ، منها أن استطيع تغيير مفهوم الإعاقة لدى الناس ، أن اجعلهم يعرفون الفرق بين من لديه احتياجات شخصية أكثر قليلا من غيره و من هو معاق في داخله .
يا ليتنا نفتح عقولنـا و قلوبنـا لا عيوننــا حتى نعرف أنفسنا و الآخرين و وقتها نستطيع أن نواجه كل شيء متأكدين أن كل إعاقة لها ما يُعوضها لأن الله قــــادر على كل شيء . و لأنه أعطانا هذه القدرة على عمل أي شيء .

Comments