
بقلم / رشا أرنست
قُدمت لبنان لإسرائيل على طبق من ذهب ، دمار مطار بيروت و ضرب أكثر من ستة مناطق متفرقة في الشمال و في الجنوب ، و استشهاد أكثر من مائتي مدني و مئات الجرحى . حصار جوي و بحري على دولة بأكملها هو نتاج العشر أيام الأولى لحرب إسرائيل على لبنان . كل هذا و لا ندري هل فعلاً ما يحدث هو غضب إسرائيل من اختطاف حزب الله لجنديين أم أنها كانت نافذة لهم و حجة استطاعوا بها الهجوم الشرس على دولة لبنان . و الأخطر من ذلك نتسائل لماذا هذا التوقيت على وجه الخصوص ؟ لماذا انذر حسن نصرالله قبل شهرين بالرد على إسرائيل ؟ عن ماذا كان ينوه بإنذاره و لمن كان يُريد توجيه كلماته الصارخة ؟
العرب جميعاً في حالة تخبط مما يحدث الآن ، البعض يُظهر انه تفاجأ مما حدث ، و البعض يختبئ خلف قناع بان للمقاومة دورها الفعال و جاء الوقت لتفعل ما في وسعها لمقاومة المحتل الآثم .
و التساؤل الذي يفرض نفسه الآن : هل يوجد اتفاق من الباطن بين سوريا و إيران و حركة حماس مع حزب الله لغرض ما و لبنان هي الضحية التي اقترعوا عليها ؟ الواضح من مجريات الأحداث الجارية في المنطقة العربية بأكملها أن المنطقة لا تتحمل في الوقت الراهن أي أحداث جديدة . ففي الوقت الذي تضرب إسرائيل فيه قطاع غزه و المحادثات بشأن السلاح النووي بإيران و ما تمر به سوريا من مشاحنات مع أمريكا ... هل هناك مزيد من الوقت لأكثر من ذلك ؟ أم أن هناك أطراف تريد تغيير مجرى الأحداث و الأخبار عنها بأمور أخرى و في ذات الوقت تسدد هدف آخر تصبو إليه . و كما يقولون عصفورين بحجرٍ واحد . الأحداث تتابع بسرعة شديدة في جنوب لبنان و الأمر لا يقف عند حد جنديين مختطفين و إنما هي تبعد عن ذلك بمراحل .
و الساحة العريضة تمتلئ يومياً بمحترفين لعبة الحرب و السلام و ما بينهما ، و كل لاعب بجنسيته و هويته الخاصة و العامة و قدرته على التلاعب بالألفاظ و القدرة على المهاجمة و المقاومة في الوقت اللازم لكل منهما . و قد قامت الحكومة اللبنانية بعد يومين كاملين من الحرب و الدمار و كأنه كابوس استيقظت عليه لبنان تُنادي بالاستغاثة لمجلس الأمن و قبل أن تـُدمر بيروت بالكامل ، و كان هذا هو الجزء الأول الإيجابي في بداية أحداث اليوم الثالث لحرب إسرائيل عليها ، أما الجزء الثاني و الأهم هو تلبية النداء و انعقاد مجلس الأمن الذي دعا أعضائه و أعطى الكلمة لجميع مندوبي الدول التي شرفت المجلس بالحضور و الذي بدوره أعطى أول الكلمات لمندوب لبنان الذي شرح الوضع ببلاده و قال أن الحكومة اللبنانية لم تكن تعلم بمخطط اختطاف الجنديين و بغض النظر عن صوته الذي كان ينم عن إحساس سيء بالأحداث مقارنة بصوت مندوب إسرائيل السامي الذي كان يوجه كلامه بكل حدة و ثقة و مُباشرة في وجه الجميع . فقد طلب باسم لبنان بسرعة وقف إطلاق النار من الطرفيين مشيراً إلى كافة الخسائر سواء خسائر الأرواح أو الخسائر المادية . أما في كلمة مندوب إسرائيل التي كانت منظمة إلى حد كبير خارجة بتأني و مكر شديدين كانت عبارة عن دفاع كامل مُحكم ، لدرجة أن مَن لا يعرف بالأحداث ربما سيتعاطف مع إسرائيل الدولة التي تسعى للسلام و ما تفعله الآن خارجاً عن إرادتها و مضطرة إليه . هذا بالإضافة إلى توجيه كلماته التي تحوي اتهام صريح بان لبنان هي مُناصرة و حامية للإرهاب و عليها أن تتحمل العواقب الجسيمة لذلك .
و رغم أن قلة من المُتفائلين ظنت أن مجلس الأمن سيُقرر وقف إطلاق النار إلا أن النتيجة جاءت مُخيبة للآمال و مُجددة للضرب و القتال و الحرب . فلم يتخذ مجلس الأمن قرار بشأن ما يحدث هناك و اكتفى بالتأكيد على إرسال وفد الأمم المتحدة للشرق الأوسط ، و انتظار التقرير الذي سيقره هذا الوفد . كما أمل المجلس في استلام التقرير بأقرب وقت ممكن .
مازالت أحداث اليوم الثالث تتوالى ، فمجلس الأمن لم يكن المشهد الأخير . فقد جاء مشهد نهاية أمس بما هو أشد و اخطر ، فلقد تفاقمت الأحداث و أطل علينا أمين عام حزب الله حسن نصر الله بصوتٍ يجلل أعماق المُقاومين في جنوب لبنان و أتباعهم بخارج الجنوب ، صوت يُزيد من الحرب النفسية داخل المُحتل الإسرائيلي و يوجه للجميع و خاصة مَن لم يُساندونه في مُغامرته أو كما وصفها البعض بمُقامرته بسخرية شديدة انه قادر على المُضي في معركته مع المستعمر و ردد بصوت هادئ ينم على استعداده لزرع الثقة في قلوب المقاومين و العكس أي الرعب في قلب المحتل : " نحنُ مُغامرون لم نجر إلى بلدنا سوى النصر و الحرية و الكرامة " موجهاً العالم كله لأن ينظر بأن ما يحدث من قبل الطرف المُحتل هو تصفية حسابات انسحابهم من جنوب لبنان عام 2000 م . و لم يترك حسن نصر الله الجميع بغير أن يـَعدهم بمفاجأته الثمينة و توعده بالاحتلال و يكرر النصر آتٍ آتٍ .
قد يكون فعلاً النصر آتٍ ، فسواء انتصر حزب الله الحزب المُقامر أو انتصر الاحتلال الإسرائيلي فكلاهما انتصار في لعبة زائفة هي لعبة فقط للمحترفين و الجائزة لمن يربح هي لبنان . لبنان التي يلعبون بها و لم ينتبه أحد حتى الآن . و ما أخشاه في تقديري أن الجائزة لن تذهب في النهاية لأحد الطرفين حتى و أن فاز و لكن سيكون هناك طرفٌ آخر هو الرابح الأكبر في هذه اللعبة ، طرف يُراهن عليها ، طرفٌ يطمع فيها و هو أذكى مما يظن الباقون ، طرفٌ ثالث هو المُحرك في هذه اللعبة ، لعبة المحترفين .
رشا ارنست – مصر
بتاريخ / 15 يوليو 2006 م
قُدمت لبنان لإسرائيل على طبق من ذهب ، دمار مطار بيروت و ضرب أكثر من ستة مناطق متفرقة في الشمال و في الجنوب ، و استشهاد أكثر من مائتي مدني و مئات الجرحى . حصار جوي و بحري على دولة بأكملها هو نتاج العشر أيام الأولى لحرب إسرائيل على لبنان . كل هذا و لا ندري هل فعلاً ما يحدث هو غضب إسرائيل من اختطاف حزب الله لجنديين أم أنها كانت نافذة لهم و حجة استطاعوا بها الهجوم الشرس على دولة لبنان . و الأخطر من ذلك نتسائل لماذا هذا التوقيت على وجه الخصوص ؟ لماذا انذر حسن نصرالله قبل شهرين بالرد على إسرائيل ؟ عن ماذا كان ينوه بإنذاره و لمن كان يُريد توجيه كلماته الصارخة ؟
العرب جميعاً في حالة تخبط مما يحدث الآن ، البعض يُظهر انه تفاجأ مما حدث ، و البعض يختبئ خلف قناع بان للمقاومة دورها الفعال و جاء الوقت لتفعل ما في وسعها لمقاومة المحتل الآثم .
و التساؤل الذي يفرض نفسه الآن : هل يوجد اتفاق من الباطن بين سوريا و إيران و حركة حماس مع حزب الله لغرض ما و لبنان هي الضحية التي اقترعوا عليها ؟ الواضح من مجريات الأحداث الجارية في المنطقة العربية بأكملها أن المنطقة لا تتحمل في الوقت الراهن أي أحداث جديدة . ففي الوقت الذي تضرب إسرائيل فيه قطاع غزه و المحادثات بشأن السلاح النووي بإيران و ما تمر به سوريا من مشاحنات مع أمريكا ... هل هناك مزيد من الوقت لأكثر من ذلك ؟ أم أن هناك أطراف تريد تغيير مجرى الأحداث و الأخبار عنها بأمور أخرى و في ذات الوقت تسدد هدف آخر تصبو إليه . و كما يقولون عصفورين بحجرٍ واحد . الأحداث تتابع بسرعة شديدة في جنوب لبنان و الأمر لا يقف عند حد جنديين مختطفين و إنما هي تبعد عن ذلك بمراحل .
و الساحة العريضة تمتلئ يومياً بمحترفين لعبة الحرب و السلام و ما بينهما ، و كل لاعب بجنسيته و هويته الخاصة و العامة و قدرته على التلاعب بالألفاظ و القدرة على المهاجمة و المقاومة في الوقت اللازم لكل منهما . و قد قامت الحكومة اللبنانية بعد يومين كاملين من الحرب و الدمار و كأنه كابوس استيقظت عليه لبنان تُنادي بالاستغاثة لمجلس الأمن و قبل أن تـُدمر بيروت بالكامل ، و كان هذا هو الجزء الأول الإيجابي في بداية أحداث اليوم الثالث لحرب إسرائيل عليها ، أما الجزء الثاني و الأهم هو تلبية النداء و انعقاد مجلس الأمن الذي دعا أعضائه و أعطى الكلمة لجميع مندوبي الدول التي شرفت المجلس بالحضور و الذي بدوره أعطى أول الكلمات لمندوب لبنان الذي شرح الوضع ببلاده و قال أن الحكومة اللبنانية لم تكن تعلم بمخطط اختطاف الجنديين و بغض النظر عن صوته الذي كان ينم عن إحساس سيء بالأحداث مقارنة بصوت مندوب إسرائيل السامي الذي كان يوجه كلامه بكل حدة و ثقة و مُباشرة في وجه الجميع . فقد طلب باسم لبنان بسرعة وقف إطلاق النار من الطرفيين مشيراً إلى كافة الخسائر سواء خسائر الأرواح أو الخسائر المادية . أما في كلمة مندوب إسرائيل التي كانت منظمة إلى حد كبير خارجة بتأني و مكر شديدين كانت عبارة عن دفاع كامل مُحكم ، لدرجة أن مَن لا يعرف بالأحداث ربما سيتعاطف مع إسرائيل الدولة التي تسعى للسلام و ما تفعله الآن خارجاً عن إرادتها و مضطرة إليه . هذا بالإضافة إلى توجيه كلماته التي تحوي اتهام صريح بان لبنان هي مُناصرة و حامية للإرهاب و عليها أن تتحمل العواقب الجسيمة لذلك .
و رغم أن قلة من المُتفائلين ظنت أن مجلس الأمن سيُقرر وقف إطلاق النار إلا أن النتيجة جاءت مُخيبة للآمال و مُجددة للضرب و القتال و الحرب . فلم يتخذ مجلس الأمن قرار بشأن ما يحدث هناك و اكتفى بالتأكيد على إرسال وفد الأمم المتحدة للشرق الأوسط ، و انتظار التقرير الذي سيقره هذا الوفد . كما أمل المجلس في استلام التقرير بأقرب وقت ممكن .
مازالت أحداث اليوم الثالث تتوالى ، فمجلس الأمن لم يكن المشهد الأخير . فقد جاء مشهد نهاية أمس بما هو أشد و اخطر ، فلقد تفاقمت الأحداث و أطل علينا أمين عام حزب الله حسن نصر الله بصوتٍ يجلل أعماق المُقاومين في جنوب لبنان و أتباعهم بخارج الجنوب ، صوت يُزيد من الحرب النفسية داخل المُحتل الإسرائيلي و يوجه للجميع و خاصة مَن لم يُساندونه في مُغامرته أو كما وصفها البعض بمُقامرته بسخرية شديدة انه قادر على المُضي في معركته مع المستعمر و ردد بصوت هادئ ينم على استعداده لزرع الثقة في قلوب المقاومين و العكس أي الرعب في قلب المحتل : " نحنُ مُغامرون لم نجر إلى بلدنا سوى النصر و الحرية و الكرامة " موجهاً العالم كله لأن ينظر بأن ما يحدث من قبل الطرف المُحتل هو تصفية حسابات انسحابهم من جنوب لبنان عام 2000 م . و لم يترك حسن نصر الله الجميع بغير أن يـَعدهم بمفاجأته الثمينة و توعده بالاحتلال و يكرر النصر آتٍ آتٍ .
قد يكون فعلاً النصر آتٍ ، فسواء انتصر حزب الله الحزب المُقامر أو انتصر الاحتلال الإسرائيلي فكلاهما انتصار في لعبة زائفة هي لعبة فقط للمحترفين و الجائزة لمن يربح هي لبنان . لبنان التي يلعبون بها و لم ينتبه أحد حتى الآن . و ما أخشاه في تقديري أن الجائزة لن تذهب في النهاية لأحد الطرفين حتى و أن فاز و لكن سيكون هناك طرفٌ آخر هو الرابح الأكبر في هذه اللعبة ، طرف يُراهن عليها ، طرفٌ يطمع فيها و هو أذكى مما يظن الباقون ، طرفٌ ثالث هو المُحرك في هذه اللعبة ، لعبة المحترفين .
رشا ارنست – مصر
بتاريخ / 15 يوليو 2006 م
Comments