لبنان تدفع ثمن مُغامرة حزب الله


بقلم / رشا أرنست

أقول في قلبي و المساء يغمر البلاد بالشجون و اليأس بيننا و سيف الخوف مُسلطاً علينا و القلق المضني يبيتُ ليلة أخرى لدينا ، أقول في قلبي مُن رمى أيامنا بالقهرِ ، بالغدرِ ، بأغلال السجون ؟ نمشي و بيننا يَغلُ خائنون ، يوجعنا انهم بغدنا يُقامرون ، يجرحُنا انهم قرارنا يُحاصرون ، يُقلقُنا انهم يدرون ماذا يفعلون ، إلى متى .... لم أجد كلمات عميقة تعبر عن حال اللبنانيون في هذا الوقت سوى كلمات أغنية للمطربة اللبنانية ماجدة الرومي و هي إحدى أجمل أغانيها الوطنية " سيدي الرئيس " .
هذه الكلمات التي تحوي بداخلها مشاعر الشجن و القلق و الإحساس أنهم مُحاصرون لا يستطيعون التقدم خطوة للأمام أو للخلف تتجدد الآن مع أحداث 12 يوليو 2006 م . و للأسف هذا نتيجة ما فعله حزب الله بلبنان ، ليس وحده المُحتل الإسرائيلي المسئول عما يحدث الآن بلبنان ، و لكن حزب الله البادئ بالأمر بخطف الجنديين الإسرائيليين هو المسئول عن كل الدمار الحادث الآن . و ما ساعده على ذلك مُساندة رئيس لبنان و حركة حماس و حلفاء سوريا و تهنئتهم للمقاومة بما فعلت . الكل يـُهنئ و لا نعلم من سُيعزي أهالي الأطفال الذين راحوا ضحية غضب غير مسئول و عنادِ لدولة تاريخها ممتلئ بالدماء ، كلنا يعلم أن إسرائيل دولة ارتفعت على أشلاء الآلاف البشر في فلسطين و لبنان و الجولان و لا احد يعلم إلى متى سيستمر تاريخهم يُسجل انجازاتهم المُلطخة بدماء الأبرار . و بالرغم من هذا يأخذ حزب الله خطوة غير محسوبة ، لا ندري إذا كانت خارجة من مُقاومتهم للمحتل في جنوب لبنان أم لأغراض أخرى ، و لكن ما نحن بصدده الآن أن نتائج هذه الخطوة غاية في الخطورة و قد بانت اليوم كأول رد فعل لإسرائيل ، ما حدث من ضرب لمطار بيروت مرتين و إشعال الوقود فيه و تدمير مناطق متعددة في الجنوب و جنوب بيروت ، و استشهاد أكثر من خمسون لبناني ليس لهم علاقة بالمقاومة أو بالاحتلال ، كل هذا في غضون ثمانية و أربعين ساعة من عملية اختطاف حزب الله للجنديين الإسرائيليين . في هذا الوقت القليل نفذت إسرائيل وعدها بإرجاع لبنان عشرون عاماً للوراء و ها هي بدأت و لن يردعها أحد حتى يفعل حزب الله ما تريده إسرائيل بإرجاع الجنديين سالمين إلى مكانهم .
علينا أن نكون واقعيين فسواء طالت المقاومة أو قصرت سيحدث ما يريده الطرف الأقوى ، و لتكن عندنا الشجاعة لنعترف انهم الأقوى . انهم المُسيطرون ؟ نعم إسرائيل الأقوى ، فبعيداً عن جيشها و أسلحتها و قوتها الداخلية هي دولة مهيمنة على دول أخرى ، و هذه الدول لا تنوي إلا الوقوف بجانب إسرائيل بغض النظر بأنها على حق أو لا ، فلم تعد القضية في نظر دول القرار قضية حق أو عدل . إنما أصبحت سلطة و هيمنة دول على دول أخرى في كافة المستويات . و كلنا تابعنا حديث السيد بوش و جملته التي تُعاد عشرات المرات على جميع القنوات العربية " من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها " . نعم من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها عن جنديين حتى لو الثمن خمسون شخصاً من دولة أخرى ، من حقها الدفاع عن نفسها حتى لو على حساب اقتصاد و خراب دولة بأكملها .
لبنان بكل ما فيكِ من أبطال يحملونك بقلوبهم قبل أجسادهم لابد أن تعترفي انك أمام وحش كاسر لا يعرف إلا المرآة التي يرى بها وجه المشوه بدماء أجيال و أجيال . لبنان عليكِ أن تُعيدي النظر قبل فوات الأوان ، انظري من حولك الجميع يقفون و ينظرون من بعيد و لن يجرأ أحد الاقتراب منك أو الدفاع عنك . لا تدفعي ثمن أخطاء ارتكبها غاضبون لا يدركون ما هم فاعلون بكِ . فلا تجعلي عدوك المحتل يأخذ من غضبهم سلاحاً يضربكِ به . لا تجعليه يقضي على الزهر الأخضر ، على أبناءك ، على شبابك ، على مستقبلك الذي أزهر بعد جفاف طويل بأجمل الأزهار .
لبنان .. على مدار التاريخ كان قلم و حوار أبنائك المُفكرين من الحريري و التويني و ابنه جبران عشرات آخرين دفعوا حياتهم ثمن لدفاعهم عن الحق و الوطن هو المُقاومة الحقيقية ، كما قاومتِ بأصوات أولادك الآتية من خلف الجبال و التي هزت قلوب العالم و ضمائرهم من فيروز ، و الرحبانية ، وديع الصافي ، ماجدة الرومي و غيرهم حتى الآن . نهم هي المُقاومة الحقيقة التي استطاعت أن تُعيد للبنان عظمتها و نضارتها خلال الست أعوام الماضية . فيا بيروت لا تحزني و لا تخافي ، فمهما كلفكِ الأمر ستعودين و تقومي من جديد . ستعودين و تُقاومي بالحب ، بالسلام بأقلام أولادك الشجعان ، بأصواتهم عالياً ينشدون نشيد الحرية يهتفون و يَقسمون " سنبقى .. لأننا و أرضنا و الحق أكثرية " .
بتاريخ / 14 يوليو 2006 م


Comments